الانقلاب على تعز

img

الانقلاب على تعز

د. عبده البحش

دأب الكثير من الكتاب والصحفيين والسياسيين على وصف الاحداث المؤسفة التي شهدتها العاصمة اليمنية المؤقتة عدن في الثامن والعشرين من يناير الماضي على انها انقلاب عسكري مدبر ومخطط ضد الحكومة اليمنية الشرعية التي تخوض حربا شرسة مع الانقلابيين الحوثيين المدعومين من إيران واخواتها، وهي وجهة نظر احترمها بل واتفهمها أيضا.
فريق اخر من الكتاب والصحفيين والإعلاميين والسياسيين وصفوا احداث عدن بأنها محض صراع جنوبي جنوبي لا علاقة له بالانقلاب على الحكومة الشرعية من قريب او بعيد، حيث استشهد أصحاب هذا الرأي بمقولة التاريخ يعيد نفسه او بعبارة أخرى يناير يعيد نفسه في إشارة واضحة الى الاحداث الدموية التي شهدتها عدن في الثالث عشر من يناير عام 1986م بين اجنحة الحزب الاشتراكي اليمني او بعبارة ادق بين الضالع وابين، وهذا رأي احترمه واتفهمه أيضا.
فريق ثالث اجتهد في الرأي وذهب الى ابعد مما ذهب اليه اقرانه مقدما قراءة مختلفة للحادثة واصفا إياها على انها ترتيبات او إجراءات عسكرية ادارها التحالف نفسه ليس من اجل الانقلاب على الحكومة الشرعية كما زعم البعض وليس انقلابا شنته الضالع على محافظة ابين كما حدث في 1986م وانما ترتيبات عسكرية وامنية هدفها افساح المجال لطارق صالح كي يتمكن من تشكيل قوة عسكرية من بقيا الحرس الجمهوري والامن المركزي من اجل فتح جبهة جديدة ضد الحوثيين تقاتل الى جانب الحكومة الشرعية ولكن ليس تحت مظلتها، وهذا رأي احترمه واتفهمه أيضا.
تلك هي قراءات من اجتهدوا في توصيف ما حدث في الثامن والعشرين من يناير الماضي، الا انني اليوم وبعد مرور عدة أسابيع توصلت الى قراءة جديدة لتلك الاحداث غابت عن الجميع لأسباب كثيرة، قراتي الجديدة للمشهد الدرامي المؤسف تتلخص في ان ما حدث هو انقلاب حقيقي على تعز وليس على اية جهة أخرى، لان كل الشواهد والابعاد والاهداف والدلالات تشير الى ان ذلك انقلاب على تعز مع سبق الإصرار والترصد، وهذه القراءة لا تدحض القراءات السابقة ولا تتصادم معها، وانما تنطلق من المحصلة النهائية للأحداث التي كانت بمثابة انقلابا كارثيا ونكسة صادمة على تعز بالدرجة الأساس.
كان الجيش الوطني وبدعم من التحالف قد أعلن عملية لتحرير محافظة تعز من براثن الحوثية الامامية السلالية المتخلفة، وكانت العملية قد استمرت ثلاثة أيام بزخم بري وجوي لا بأس به، أدى الى تحرير عدة قرى وجبال ومواقع ومعسكرات وتباب واودية واحياء في المدينة وأوقع خسائر فادحة في صفوف الحوثيين الانقلابيين، الا ان الكارثة حلت على معركة تحرير تعز بسبب احداث عدن المؤسفة التي انعكست بشكل سريع ومباشر على تعز، حيث توقف الزخم العسكري وانقطعت الإمدادات وتقلصت غارات التحالف العربي على جحافل الحوثيين، مما أدى الى السماح للانقلابيين بإعادة ترتيب صفوفهم المنهارة واستقدام الاف العناصر المقاتلة والتزود بالأسلحة النوعية ليبدأ الحوثيين شن هجمات مضادة ضد الجيش والمقاومة الشعبية في تعز.
تلك الارهاصات مع الأسف الشديد كانت بمثابة الانقلاب على تعز وعلى معركة تحرير محافظة تعز التي كانت قد بدأت في الأصل بداية قوية وحاسمة، اذ انه لا يمكن قراءة ما حدث في عدن بتاريخ 28 يناير 2018م الا بانها انقلابا واضحا على تعز سواء كان الانقلاب مقصود ام غير مقصود، لأنه في النهاية أدى الى خسارة معركة تحرير تعز، بل الى توقف المعركة بشكل شبه كامل، حيث توقف الهجوم والزحف واصبح الجيش الوطني والمقاومة الشعبية في تعز في حالة دفاع عن النفس، ولذلك فنحن نقرأ احداث عدن من زاوية أخرى وهي زاوية الانقلاب على تعز، حيث لم يعد يسعنا الا ان نقول اضاعوك يا تعز واي جوهرة اضاعوا؟

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة