الوافي…حزن الفراقِ وفرحة الخاتمة

كتابات 0 مدير

بقلم // فؤاد فارس

من رحابٍ طاهرةٍ في جامعِ المطهرِ ارتقت فجر اليوم روحُ الحاج حسن علي الوافي، وتلكَ خاتمةٌ تليقُ بالرجلِ الذي لم يكن له أن يموتَ إلا ساجداً أو على مقربةٍ من مكانِ السجود؛ فالرجلُ الذي تعلقَ قلبُه بالمساجدِ كانَ عظيماً من فئةِ العظماءِ الذينَ تعرفهم مواطنُ الطاعاتْ…وإن لم تعرفهم أو تُعَرِّف بهم الشاشاتْ!
ــــــــــــــــــــــــــ
رحلَ الوافي ـ اسماً وصفة ـ وتركَ مَن عرفوهُ يتساءلونَ عن سِرِّ القبولِ الذي يمنحه الله بعضَ عبادِه، فيما تساءلَ آخرونَ عن مدى تقصيرنا في حقِ أمثالِهْ، ومن هذا الصنف الثاني من المتسائلين، أولئك الذين طرقَ اسمُ الراحلِ مسامعهم لأول مرةٍ والخطيبُ يعلمنا بوفاته قبل الصلاةِ عليه ويعدد بعضَ مآثرِهِ عابداً وثائراً رغم سنه.
ـــــــــــــــــــــــــ
قبل أن اعرفَ الوافي عرفتُ ابنيه فأحدهما كان لي استاذاً والثاني زميلا، ومن خلالِهما أدركتُ أيَّ نوعٍ هو من الآباءِ قبل أن أراه….
أبٌ من طرازٍ خاصٍ تظهرُ بصماتُه الخاصةُ واضحةً في مسارِ ابنائه الذين تكفي معايشتُهم لتتمنى لقاءَ أبيهم حياً وتترحمَ عليه ميتا….
ـــــــــــــــــــــــــــــ
في لقائك الأول معه لن تلبث ان تكتشف ان معايشة الابناءِ لم تكشف السرَّ الكاملَ للأب…
الأب الذي يكمنُ سرُّهُ في غلافِ البساطةِ الذي يُخبئُ كثيراً من صفات النبل التي لا تكشفها الا المعايشة، فالعابدُ الذي عرفته الصفوفُ الأولى خاشعاً هو ذاتهُ الثائرُ في وجه الظلم رغم الشيخوخة…وهو نفسه المعلمُ الذي ستغيرُ فيكَ كلماتُه القليلةُ الكثيرْ..فالرجلُ الذي التقيته مرات قلائل كان لي معه لقاءانِ مميزان تفصلُ بينهما سنواتٌ طويلةٌ وانقلابْ…
التقيته مرة في صنعاء وأخرى في تعز….وما يجمع بين اللقائين اني كنتُ في الفترتين على تباعدهما أمرُّ بظروفٍ أعانيها واجتهد في إخفائها فلا يعلمها سواي…
وفي المرتين…..كان الوافي يتحدثُ ببساطةٍ ليس فيها تكلف، وعن مواضيعَ تتصلُ بحياته لا بحياتي، غيرَ ان كلماتِهِ بَدَت وكأنها وصفٌ يتعلقُ بي، وَوَصْفَةٌ يقدمها لي، ولا علاقة لذلك ببلاغةِ اللسانِ بل ببلاغِ قلبه وبلاغته..وذلك فضلُ اللهِ يؤتيهِ من يشاءْ.
ــــــــــــــــــــ
رحلَ الوافي..
وترك خلفه أثراً لا يُمحى، فما اتصلَ بالسماءِ لا تمحوه مؤثراتُ الأرض…
ومن عايشوه يتذكرون كيف افتقد الجميعُ وَلَدَيْنِ من أولادِه حين غيَّرَ مسكنَهْ..فقد أخذبيدهما لا ليجعلَ منهما روادَ مسجدٍ فقطْ، بل ليصبح صوتُهما وهما يمرانِ في الطرقاتِ نداءً يوقظُ الناس للصلاةِ وعلامةً مميزةً افتقدها الحيُ بمجردِ مغادرتهما له، وقليلٌ من أمثال الوافي يستطيعون ان يجدوا المنحةَ في عمق المحنة…وان يجعلوا الطفل الأضعف يترك الأثر الأقوى والأبقى…
ــــــــــــــــــ
مع انتهاءِ الصلاةِ عليه وحينَ كان البعضُ يتساءلونَ عن اسمِ المُتَوفى بعدَ إشارةِ الخطيبِ لفضلهْ، حينها أدركتُ جانباً من الموقفِ الذي نقرأه في سيرةِ عمرَ رضي الله عنه، إذ سألَ عمرُ قادماً من أرض المعركةِ عن أسماءِ الشهداءِ فأجابه:
استشهد فلانٌ وفلانٌ وآخرونَ لا يعرفُ أميرُ المؤمنين اسماءهم.
فقال رضي الله عنه باكياً:
ما ضرَّهم أن عمرَ لا يعرفهم إن كان ربُّ عمرَ يعرفهم!
ــــــــــــــــــــــ
فإلى الله الذي يعرفك ايها الوافي رحلتَ فهنيئاً لك الرحلة والمستقر والمقام..
عرفتكَ وستبكيكَ الصفوفُ الأولى لبيوته في الأرضِ وانت تغادرُها نحو السماءْ.
تغادرُ متألقاً كما عشت، في بيت اللهِ وفي خير أيامه…وتلك علامةُ تجعلُ من حقِ أهلكِ أن يفرحوا بحسنِ الخاتمةِ بمقدارٍ يفوقُ حزنَهم على الفراقْ…ولقد ابقيت من طيب الذكر ما يعطر الذكرى، وسيبقى موجزُ حياتكَ ماثلاً في من وما بعدكَ وحتى في حروف اسمك:
فـ(حسن) كنتَ وبالخاتمة الحسنةِ رحلتْ.
وكـ (علي) دربَ الحقِّ سلكت.
وأنت( الوافي ) بشهادةِ من عرفت.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
خالص العزاءِ لأستاذنا أيوب، ولأهلك كافة…
ونسأل الله أن يجعلَ الفردوسَ مستقرك ومقامك..

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة