خالد العلواني

ضدا لحركة التاريخ، وعقارب الساعة شكل العهد الإمامي في اليمن أبشع صور الاستبداد، جاعلا من الجهل والخرافة أداة لإحكام السيطرة على الناس، تحت عباءة الاصطفاء، والحق الإلهي في الحكم مكرسيا حكم السلالة على حساب الشعب.
وبموازاة هذا المسلك المخاتل، اعتمد الأئمة على سلاح التجويع وتغذية النزاعات بين القبال، وعزل اليمن عن محيطه الخارجي.
وفي طيات هذه اللحظة الوطنية المعتمة التي استفحل فيها داء الإمامة، كان لا بد من انبعاث كوكبة من الأبطال على أتم الاستعداد للتضحية من أجل الشعب والوطن، وعلى درجة عالية من الوعي: وعي بالذات، ووعي بفداحة الواقع وكلفة استمراره، ووعي بمتطلبات وشروط التغيير، ووعي بالمسئولية الملقاة على عاتق الرواد، والتضحيات المتوقعة.
وهنا تبرز أهمية الدور الذي مثله الشهيد علي ناصر القردعي، على طريق الخلاص باعتباره رمزًا للحل الجذري، فحين فشلت محاولات النصح والمهادنة، جاءت رصاصته في وجه الإمام كإعلان أن آخر العلاج هو المواجهة، وأن الاستبداد لا يسقط إلا بالفعل الثوري الهادر.
والشهيد القردعي لم يكن حالة فردية، بل أنموذج لوعي جمعي أدرك أنه لا سبيل لإصلاح نظام الإمامة، كما أدرك أن بقاءها يعني استمرار إنتاج الجهل والفقر، والطبقية، والتسلط، واستنزاف خيرات اليمن، ومن هنا اكتسبت حركته مع رفاقه من أبطال ثورة 48 قيمة سياسية تتجاوز الفعل الفردي إلى كونه نقطة تحول وضعت أول حد لمرحلة مظلمة، ومهدت الطريق لثورة 26 سبتمبر وميلاد الجمهورية.
ومن يقرأ سيرة الشهيد علي ناصر القردعي، يدرك أنه لم يكن مجرد مقاتل جسور حمل البندقية في وجه الاستبداد فحسب، بل كان شاعرا ثائرا صاغ بمداد روحه ما جسده فعلا في الميدان، جامعا بين البلاغة والبطولة، والقصيدة والرصاصة.

وإذا كان التاريخ قد أثبت أن الإمامة، بما تحمله من كهنوت وظلم، ليست مجرد نظام حكم، بل داء عضال يأكل جسد الوطن، فإن القردعي أثبت أن التضحية الجسورة قادرة على أن تكون علاجا ناجعا لهذا الداء العضال.
واليوم ونحن نشاهد مخلفات الإمامة تحاول العودة بثوب الحوثية، يتوجب على اليمنيين أن يتسلحوا بروح ووعي القردعي في شجاعة لا تساوم، وإقدام لا يتراجع، وإيمان لا يتزعزع بأن الحرية هي الحياة.

من مدير